مقدمة عن البطالة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
أما بعد. فلعل من أهم المشكلات التي يعاني منها العالم اليوم في هذا العصر وأكثرها ظهوراً، وأشدها خطراً على الأمة، وعلى كيانها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني: مشكلة البطالة، التي تعتبر باباً رئيساً ومعبراً خطيراً يعبر منه المتسولون.وربما جرتهم البطالة إلى الانحراف عن دين الله القويم، واقتراف الرذائل، وسلوك سبيل المجرمين، والعبث بالأمن، وانتهاك الحرمات، والاعتداء على أملاك الناس بطرق غير مشروعة.
ومن المعروف بداهة: أن الأمن والاستقرار، والرخاء والسخاء، لا تتحقق إلا بمشاركة جميع الأيدي العاملة؛ لتصل إلى التوازن في المعيشة، والعيش في سلام ووئام.
ولقد ازدهرت بعض المجتمعات بآثار التقدم الحضاري والصناعي، ومع ذلك فهي تعاني من تزايد عدد العاطلين عن العمل، الأمر الذي جعل مستوى معيشتهم يتدنى إلى مستوى سيئ.
وبات هؤلاء العاطلون عن العمل شبحاً مخيفاً، وخطراً محدقاً، يهدد العالم، وينذر بشر، ولم تستطع معظم الدول المتمدنة أن تضع الحلول المناسبة لهذه الظاهرة السيئة، رغم تقدمها وارتفاع مستوى دخلها.
ولقد وضعت النظم الوضيعة علاجاً للبطالة، ونسيت أو تناست أن تضع العلاج للتسول، بيد أنها حكمت على فعل المتسول بكونه عملاً غير أخلاقي يعاقب عليه القانون.
وبالنظر فيما سبق يتبين أن في تلك النظم خللاً أو نقصاً، وكان لابد من عرض وجهة النظر الإسلامية من خلال منظور السنة النبوية؛ لأنها قد بسطت هذا الأمر -أسباباً وآثاراً وعلاجاً- بما لا يدع مجالاً لنقد أو طعن، ولأجل ذلك قمت بكتابة هذا البحث، وأسميته: (البطالة والتسول بين السنة النبوية وبين القوانين الوضيعة المعاصرة).
هذا وقد ربطت بين البطالة والتسول، على أساس أن البطالة هي باب كبير للتسول، وكلاهما مرتبط بالآخر. وفي هذا المقام لا يستغني -كما يقول العلماء- بملزوم عن لازم، وإنما يحتاج الأمر إلى النص؛ حتى لا يكون هناك مجال لإشارة أو إغفال جانب من جوانب هذا الموضوع، فجعلت بحثي في هذا الإطار، والبطالة قد تكون ثمرة من ثمار التسول، فالجانبان مرتبط بعضهما ببعض.